الأحد، 21 أكتوبر 2012

هل تنتهي الشرعية يوم 23 أكتوبر 2012؟

بقلم : الصفير الزكراوي - استغلت بعض الأطراف السياسية تباطؤ المجلس الوطني التأسيسي في كتابة الدستور وفشل الحكومة في إدارة البلاد وحالة الوهن التي آلت إليها مؤسسات الدولة لتشن حملة ممنهجة تهدف من ورائها إلى الإطاحة بالائتلاف الحاكم.
 ومع اقتراب موعد 23 أكتوبر بدأت هذه الأطراف تعد لتمرد واسع معلنة أنه بحلول هذا الأجل تنتهي شرعية المجلس الوطني التأسيسي والحكومة المنبثقة عنه مستندة على آراء بعض فقهاء القانون ساهموا بالأمس القريب في توطيد أركان نظام بن علي.
ويرى هؤلاء الفقهاء أن الأمر الرئاسي عدد 1086 المؤرخ في 03 أوت 2011 المتعلّق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي حدّد بمقتضى الفصل 6 مدّة عمل المجلس بسنة. وقد تمّ تأكيد ما جاء بالأمر من تحديد زمني لمهمة هذا المجلس باتفاق 15 سبتمبر2011 أو ما يعرف بإعلان المسار الانتقالي، فجاءت الإرادة السياسية مؤكدة للقاعدة القانونية ومضفية عليها التزاما معنويا وأخلاقيا داعمة للشرعية التوافقية.
إن الجدل حول موعد 23 أكتوبر وانتهاء الشرعية هو جدل قانوني مصطنع مدان أخلاقيا لأن أصحابه يهدفون إلى توظيف وتطويع القانون لتحقيق أهداف سياسية وخدمة أجندة حزبيّة دون مراعاة المصالح العليا للبلاد.
إن القول بأن شرعية المجلس الوطني التأسيسي والمؤسسات المنبثقة عنه تنتهي يوم 23 أكتوبر 2012 يشكل انتهاكا صارخا لأبسط مبادئ القانونية، كما أنه يمثل دعوة صريحة للإنقلاب على الشرعية الإنتخابية وإحلال محلها ما يسمّى بالشرعية التوافقية.
إنه نهج سياسي يقوم على المناورة والتآمر. فهؤلاء يريدون الحصول على مكاسب سياسية لم يحصلوا عليها بواسطة الانتخابات.
ويستند دعاة انتهاء الشرعية على الفصل 6 من الأمر عدد 1086 الصادر عن رئيس مؤقت فرضته حالة الضرورة ولم يتبوأ المنصب بالانتخاب.
هذا الأمر معيب من ناحيتين. فهو مشوب بعيبي الاختصاص والانحراف بالإجراءات. فبتحديده مدّة التئام أعمال المجلس الوطني التأسيسي يكون قد انتهك اختصاص هذا المجلس و"شرّع" في مجال خارج اختصاصاته.
كما عمد رئيس الجمهورية المؤقت إلى الانحراف بالإجراءات فالأمر يتعلّق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس ولا يتعلّق بتحديد مدّة عمله ومهمته. إلى جانب هذه الإخلالات القانونية وطبق مبادئ هرمية القواعد القانونية لا يجوز بداهة تغليب أمر أي قرار إداري انفرادي على القانون التأسيسي عدد 6 المؤرخ في 16/12/2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط الصادر عن سلطة عليا منتخبة. فهذا القانون هو بمثابة "الدستور الصغير" لم يحدّد مدّة عمل المجلس وأنهى بموجب الفصل 27 الأحكام القانونية التي تتعارض معه بما في ذلك الأمر عدد 1086.
إن ما يثير الانزعاج في موقف "جهابذة رجال القانون" الذين سخروا عبر قريتهم خارطة سياسية لبعض الأطراف السياسية هو تجاهلهم بعض المسلمات القانونية التي طالما رددوها في رحاب المجلس بوصفهم خبراء. فالمجلس هو صاحب السلطة الأصلية وهي الجهة الوحيدة التي يحق لها تحديد مدّة عمله.
وبقراءة الفصل الأول من القانون المنظم للسلط يبيّن أنه أبقى على التنظيم المؤقت إلى حين وضع دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ ومباشرة المؤسسات المنبثقة عنه لمهامها. فالجدل القائم مصطنع والنصّ واضح ولا يتحمّل التأويل.
كما يستند دعاة نهاية الشرعية في مساعيهم الرامية إلى إثارة الفتنة وزج البلاد في أتون صراعات مفتوحة على كل الاحتمالات إلى إعلان المسار الانتقالي الذي أمضاه 11 فصيلا سياسيا التزمت سياسيا وأخلاقيا على احترام أمد السنة والذي لا يجب تجاوزه.
وهذه الحجة واهية لعدّة أسباب لعل أهمها أن أكثر من مائة حزب لم يمضوا على هذا الإعلان الذي كان يرمي من ورائه مهندسه تحديد صلاحيات المجلس والالتفاف على إرادة الناخبين.
كما أنه لا يمكن الاستناد إلى القواعد الأخلاقية إلاّ في حالات فراغ قانوني.
لقد تميّزت المرحلة الأولى من المسار الانتقالي بمنهج التفافي احتيالي تآمري. وللتذكير ببعض المقالب أكتفي بذكر مبادرة البعض بما يسمّى "العهد الجمهوري" الذي تضمن أحكاما ومبادئ فوق دستورية Supraconstitutionnels كان الهدف منها محاصرة المجلس الذي ستفرزه الانتخابات وتحديد صلاحياته وجعله يتحرك في مجال محدد ومؤطّر مسبقا.
فيما يتعلّق بالدفع المتعلّق بالإلتزام السياسي والأخلاقي أذكر أصحابي بأنه إذا كانت الثورة تمثّل لحظة أخلاقية كبرى La révolution est grand d'éthiqueمفعمة بالقيم الإنسانية النبيلة فإن الأطراف الفاعلة في المسار الانتقالي وهي أطراف دخيلة على الثورة Des usurpateurs et des imposteurs كانت تنعم برغد العيش في العهد البائد أفرغت الثورة من بعدها الأخلاقي وساهمت في تبديد رأس مالها الرمزي. إنه الإفلاس الأخلاقي والانهيار القيمي في أبهى تجلياتهما.
صفوة القول : الجدل القانوني حول الشرعية مصطنع ويوم 23 أكتوبر 2012 هو يوم عادي كسائر أيّام الأسبوع يذكر بعض الأطراف بفوزها في الانتخابات ويذكر بعض الآخر بانكساراتها.
لكن القول بأن المجلس الوطني التأسيسي هو صاحب السلطة الأصلية وسيد نفسه لا يعني البتة أنني أدعو إلى "دكتاتورية المجلس". فالشعب يظل صاحب السيادة الذي انتخب هذا المجلس بالأساس لكتابة دستور في آجال معقولة.
فانطلاقا من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، ولوضع حدّ لحالة الاحتقان وطمأنة الرأي العام أن الأوان أن يحزم المجلس أمره ويعجّل بكتابة الدستور الذي سيضع اللبنات الأولى لنظام ديمقراطي يقطع مع منظومة الفساد والإستبداد.
ولقطع الطريق أمام هؤلاء الانقلابيين ودعاة الفتنة يتعيّن على الحكومة الائتلافية أن تحزم أمرها وننكبّ على معالجة الملفات العاجلة والتي طال أمد حلّها وتصيح المسار السياسي. وبداية تصحيح هذا المسار تستلزم الإعلان عن جدول زمني للاستحقاقات القادمة وخاصّة:
تحديد موعد للانتهاء من كتابة الدستور،
تحديد تاريخ الانتخابات،
سنّ القانون الانتخابي،
إحداث هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات.
هذه الخطوات من شأنها طمأنة الرأي العام الذي نفذ صبره وتضع حدّا لحالة الاحتقان السياسي. فوضع خارطة طريق تنهي المسار الانتقالي وتمهّد لوضع دائم ومستقرّ ستضعف قوى الثورة المضادة وتفتح باب الأمل من جديد وتقطع دابر الانقلابيين. وهو ما تم فعلا لكن بشيء من التأخير من خلال الخارطة التي أعلنت عنها الترويكا.
أستاذ محاضر مبرز في القانون العام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Mezo.me
Blogger widget